جريمة التجسس في القانون المغربي
تعد جريمة التجسس من أخطر وأعوص الجرائم التي تهدد سياسة الدولة وأمنها ، لاسيما في الوقت الراهن في ظل التقدم الهائل الحاصل في مجال التكنولوجيا الحديثة والعلم المحض الذي مكن من تطور أساليب التجسس عسكريا أمنيا واقتصاديا .
المبحث الأول : أركان جريمة التجسس
لم يعرف المشرع المغربي جريمة التجسس ؛ وإنما اكتفى بتحديد الأفعال والوقائع التي يأتيها الشخص الأجنبي ، فيعد بالتالي مرتكبا لهذه الجريمة الشـنعاء .
وحسب الفصل 185 : « يعد مرتكبا لجناية التجسس ويعاقب بالإعدام كل أجنبي و تكب أحد الأفعال المبينة في الفصل 181 فقرة 2 و 3 و 4 و 5 والفصل 182 » وعليه سنتطرق لدراسـة أركان هذه الجريمة في مطلبين أساسيين .
المطلب الأول : الركن المادي
يقصد بالركن المادي في جرائم أمن الدولة الخارجي ( التجسس ) ؛ كل نشاط أو سلوك إجرامي يأتيه فاعله بقصد تحقيق أحد الأهداف التي نصت عليها الفصـل 181 في فقرته 2 و 3 و 4 و 5 و الفصل 182 من القانون الجنائي المغربي .
والرجوع إلى مقتضيات هذه المواد فإن الشخص يعد مرتكبا لجريمة التجسس اذا أتى احد الأفعال الآتية :
الفصل 181 من ق ج :
….
2 – باشر اتصالات مع سلطة أجنبية بقصد حملها على القيام بعدوان ضد المغرب أو زودها بالوسائل اللازمة لذلك ، إما بتسهيل دخول القوات الأجنبية إلى المغرب ، وإما بزعزعة إخلاص القوات البرية أو البحرية أو الجوية وإما بأية وسيلة أخرى .
3 ـ سلم إلى سلطة أجنبية أو إلى عملائها إما قوات مغربية وإما أراضي أو مدن أو حصون أو منشآت أو مراكز أو مخازن أو مستودعات حربية أو عتادا أو ذخائر أو سفنا حربية أو منشآت أو آلات للملاحة الجوية مملوكة للدولة المغربية .
4 ـ او سلم إلى سلطة أجنبية أو إلى عملائها ، بأي شكل كان وبأية وسيلة كانت سرا من أسرار الدفاع الوطني أو تمكن بأية وسيلة كانت ، من الحصول على سر من هذا النوع ، بقصد تسليمه إلى سلطة أجنبية أو إلى عملائها .
5 ـ أتلف أو أفسد عمدا سفنا أو آلات للملاحة الجوية أو أدوات أو مؤنا أو سيات أو تجهيزات قابلة لأن تستعمل للدفاع الوطني ، أو أحدث عمدا في هذه الأشياء تغييرا من شأنه أن يمنعها من العمل أو يسبب حادثة ، سواء كان ذلك التغيير ت تمام صنعها أو بعده
الفصل 182 : يؤاخذ بجناية الخيانة ، ويعاقب بالإعدام ، كل مغربي ارتكب في وقت الحرب ، أحد الأفعال الآتية :
1 – حرض العسكريين أو جنود البحرية على الإنضمام إلى خدمة سلطة حية أو سهل لهم وسائل ذلك أو قام بعملية التجنيد لحساب سلطة هي في حالة حرب مع المغرب .
2 – باشر اتصالات مع سلطة أجنبية أو مع عملائها ، وذلك بقصد مساعدتها في خططها ضد المغرب .
3 – ساهم عمدا في مشروع لإضعاف معنوية الجيش أو الأمة الغرض منه الإضرار بالدفاع الوطني .
وهذا السلوك الإجرامي يمكن حصره في مجموعة من الأفعال – تشكل صور التجسس ، يمكن حصرها في خمس أفعال أو جرائم ، لكن نرى أن نقتصر على تناول جريمتين هامتين ، بحيث ندرس الركن المادي في كل جريمة على حدة .
الفقرة الأولى :الركن المادي لجريمة الإتلاف أو الإفساد العمد لوسائل الدفاع الوطني
حدد الفصل 181 ق.ج في فقرته الخامسة الوقائع التي تتحقق بها هذه الجريمة فقال : « يؤاخذ بجناية الخيانة ويعاقب بالإعدام كل مغربي إرتكب وقت السلم أو في وقت الحرب أحد الأفعال الآتية : هذه
5 ـ أتلف أو أفسد عمدا سفنا أو آلات للملاحة الجوية أو أدوات أو مؤنا أو ايات أو تجهيزات قابلة لأن تستعمل للدفاع الوطني ، أو أحدث عمدا و في أشياء تغييرا من شأنه أن يمنعها من العمل أو يسبب حادثة سواء كان هذا التغيير قبل تمام صنعها أو بعده ) .
وبناء على نص الفقرة السابقة من الفصل 181 ق . ج والمادة 185 ق . ج ، 1 ـ أن هذه الجريمة تكون خيانة إذا ارتكب الوقائع السابقة مغربي ، وتكون تجسسا إذا ارتكب نفس الوقائع أجنبي ( ف 185 )
يتحقق الركن المادي في هذه الجريمة الجريمة في ثلاث صور :
الصورة الأولى : الإتلاف العمد لسفن أو آلات الملاحة الجوية أو أدوات أو مؤن أو بنايات أو تجهيزات قابلة لأن تستعمل للدفاع الوطني ، والإتلاف مقصود به القضاء على الشيء نهائيا بحيث لا يعود صالحا للإستعمال ونحو ذلك تفجير سفينة بنسفها .
اما الصورة الثانية : الإفساد العمد للسفن أو لآلات الملاحة الجوية أو أدوات أو مؤن أو بنايات أو تجهيزات قابلة لأن تستعمل للدفاع الوطني ، والإفساد مقصود به التعييب فقط بحيث يتعذر أن يؤدي الشيء مهمته ولو لفترة وجيزة إلى أن يتم إصلاحه .
الصورة الثالثة : الإحداث العمد لتغيير في الأشياء السابقة من شأنه أن يمنعها من العمل أو يسبب حادثة سواء كان ذلك التغيير قبل تمام صنعها أو بعده ، وهذه الحالة تفترض الغش في الشيء أثناء صنعه ( كوضع أسلاك بدون عازل في شيء ما بحيث يؤدي استعماله إلى انفجاره أو تعطله عن العمل ) . أو بعد الصنع كوضع أخلاط في المادة الكيميائية المعتبرة مؤونة لإحدى الآلات حيث يؤدي استعمالها إلى تعطيل الآلة عن العمل .
الفقرة الثانية : الركن المادي لجريمة استعداء دولة أجنبية للقيام بعدوان على المغرب
الجريمة هذه إما أن تكون خيانة إذا باشرها المغربي ( الفصل 181 ) وإما أن تكون تجسسا ، إذا ارتكبها الأجنبي ( الفصـل 185 ) . هذا ، ويتحقق الركن المادي لهذه الجريمة باقتراف الجاني لأحد الأفعال المحددة بمقتضـى الفقرة 2 من الفصل 181 من ق ج ، والتي حصرها المشرع فيما يلي :
أ – الشرط الأول : مباشرة اتصالات مع سلطة أجنبية بقصد حملها على القيام بعدوان ضد المغرب
وهذا هو أول شرط اشترطه المشرع القيام الركن المادي في هذه الصورة من صور جرائم ا التجسس . والملاحظ أن مفهوم السلطة الأجنبية ينصـرف إلى مفهوم الدولة الأجنبية معادية أم لا ، أو أي كيان تنقصـه أحد المقومات الأساسية لاعتباره دولة وفقا لقواعد القانون الدولي العام . ورغم أن المشرع أورد الاتصال بصيغة الجمع ( اتصالات ) ؛ فإن اتصالا واحدا يكفي لقيام جريمة التجسس إذا ارتكب هذا الفعل شـخص أجنبي ، لأن العبرة ليس بعدد الاتصـالات ؛ وإنما العبرة بنجاح استعداء دولة أجنبية للعدوان ضد المغرب من عدمه .
ب- الشرط الثاني : تزويد السلطة الأجنبية بالوسائل اللازمة للعدوان على المغرب
وهذه هي الصورة الثانية من صور النشاط الذي يقوم على أساسه الركن المادي في هذه الجريمة ، وهي صـورة تتحقق إما بتسهيل دخول القوات الأجنبية إلى المغرب وإما بزعزعة إخلاص القوات البرية أو البحرية أو الجوية ، وإما بأية وسيلة أخرى ، من شأنها استعداء الدولة الأجنبية للعدوان ضد المغرب . وتكييف هذه الوسيلة أمر يختص به القضاء بطبيعة الحال .
المطلب الثاني : الركن المعنوي
بعدما تناولنا الركن المادي لكل جريمة على حدى في المطلب الأول ،سنتطرق في المطلب الثاني للركن المعنوي لجريمة التجسس .
الفقرة الأولى : الركن المعنوي لجريمة استعداء دولة أجنبية للقيام بعدوان على المغرب
هذه الجريمة حسب المقتضيات الواردة في الفصل 181 في فقرته الخامسة إعتبرها المشرع صراحة عمدية لما شترط أن يكون الإتلاف أو الإفساد أو التعييب عمديا ( 132 ) ، ويترتب على ذلك أن شخص إذا هو ارتكب الركن المادي للجريمة عن طريق غير عمد ، كعدم التبصر أو عدم الإحتياط أو عدم مراعاة النظم والقوانين أو الإهمال أو عدم الإنتباه ، فالجريمة لا تقوم في جانبه أبدا
الفقرة الثانية : الركن المعنوي لجريمة استعداء دولة أجنبية للقيام بالعدوان على المغرب
لقيام هذه الجريمة لابد من توافر القصد الجنائي العام والخاص لدى الشخص حتى يمكن مساءلته عن هاته الجريمة ، أي ضـرورة توافر علم الجاني واتجاه إرادته إلى ارتكاب فعل مخالف للقانون الجنائي هو استعداؤه لدولة أجنبية من أجل القيام بعدوان ضد بلده المغرب . وبالتالي إذا لم يستهدف هذا الاتصال أي عدوان ؛ فلا تقوم هذه الجريمة مطلقا . ومثال ذلك أن يدلي ضابط في الجيش المغربي بمعلومات إلى – عن حسن نية- فإذا بهذا الأخير يسربها إلى دولة أجنبية لتستغلها في اقتحام قواتها الأراضي المغربية ، ففي هاته الحالة لا يمكن متابعة الضابط -حسن النية- بجناية الخيانة ، بيد أن هذه المتابعة تكون واجبة في حق الضابط الثاني ، إذا كان مغربيا . أما إذا كان أجنبيا فلا يتابع بجناية الخيانة وإنما بجناية التجسس التوافر القصد الجنائي لديه ) . إذن هذا كل ما يمكن قوله بخصوص الركن المادي والمعنوي لهذه الجريمة .
أما فيما يتعلق بالركن القانوني الذي لم نتطرق إليه منهجيا ؛ فحسبنا أنه يمتاز في إطار جريمتي الخيانة والتجسس بحصره من طرف المشرع المغربي في نماذج إجرامية محددة ، لا يمكن التوسع فيها ، أو القياس عليها ، وهذا ما يبدوا باستقراء الفصول 181 إلى 185 ق ج . هذا ويقتضـي هذا الركن أن يتم الفعل الإجرامي ضد المصالح التي يحميها القانون الجنائي ، وقت الحرب أو السـلم ، متى ألحق هذا الفعل ضـررا بإحدى هذه المصـالح ( القوة العسكرية للمغرب ، سيادته الوطنية ، حدوده الترابية … ) . ذلك أن من شأن المساس بهذه المصالح تسهيل مهمة العدو في السيطرة على البلد في فترات الحرب والسلم . وبالتالي كان طبيعيا أن يشدد المشرع المغربي العقاب على كل من سولت له نفسه المساس بإحدى المصالح المذكورة عن طريق إتيان جريمة الخيانة أو التجسس .
المبحث الثاني : عقاب جريمة التجسس
خصـص المشرع المغربي لجرائم الخيانة والتجسس الفصـول : 181 و 182 و 185 من القانون الجنائي . وبقراءة هذه الفصول ، نجد أن المشرع المغربي تشدد في العقاب على هذه الجرائم تارة ، وخفف منه تارة أخرى . هذا ما سنعالجه على امتداد مطلبين .
المطلب الأول : الأعذار المشددة
عاقب المشرع الجنائي على جريمة التجسس بمختلف صورها بالإعدام . وهكذا بالرجوع إلى مقتضيات الفصل 185 من القانون الجنائي الذي نص بالحرف على أنه : « يعد مرتكبا لجناية التجسس ويعاقب بالإعدام كل أجنبي ارتكب أحد الأفعال المبينة في الفصـل 181 فقرة 2 و 3 و 4 و 5 والفصل 182 » . ولعل تشدد المشرع في العقاب على ارتكاب جريمة التجسس ، فيفسره ما يمكن أن يؤدي إليه الفعل المرتكب من طرف الأجنبي ، في هذا النوع من الجرائم ، من تهديد لاستقرار المغرب وأمنه ووحدته ، درءا لنار الفتنة ولمسـاوى الحرب التي تهلك الحرث والنسل . فكان طبيعيا أن يعاقب المشرع مرتكب هذه الجرائم بالإعدام . وسبب إعدامه يرتبط بما يكنه للمغرب من عداوة قائمة على العنف .
ومن أوجه تشديد المشرع العقاب على هذا النوع من الجرائم ، أنه لم يميز فيها بين الفاعل الأصلي أو المساهم أو المشارك ، فكلهم في العقاب سـواء . هذا فضلا عن أنه لم يتقيد بالقيود والضوابط المحددة بموجب الفصـول من 704 إلى 711 ق.ج .
المطلب الثاني : الأعذار المخففة
كما تقدم فإن عقوبة جريمة التجسس هي الإعدام . لكن في واقع الأمر ، نجد أن هاته العقوبة مبدئية لا غير . ذلك أن المشرع المغربي سرعان ما أورد عليه استثناءات أنزلت العقوبة إلى السجن المحدد بدل الإعدام ، وذلك بتوافر شرطين أساسيين :
الشرط الأول : فيتمثل في وجوب ارتكاب الفعل وقت السلم لا وقت الحرب .
والشرط الثاني : فيكمن في ضرورة أن يكون الفعل المرتكب وقت السلم من الأفعال التي لا تشكل خطورة على المملكة المغربية .
أما إذا تم إتيان نفس الفعل وقت الحرب ، فإن العقوبة تكون هي الإعدام وليس السجن المحدد ، سواء أكان الفعل المرتكب خطيرا أم لم يكن . وتطبيقات هاذين الشـرطين نسـتشـفها مما نص عليه المشرع المغربي في الفصـلين 183 و 184 من القانون الجنائي . وهكذا نص الفصل 183 ق.ج – فيما يتعلق بالشرط الأول- على أنه : « يعاقب بالسجن من خمس إلى عشرين سنة كل مغربي أو أجنبي ساهم عن علم ” وقت السلم ” ، في مشروع لإضعاف معنوية الجيش ، الغرض منه الإضرار بالدفاع الوطني » . وفيما يخص الشرط الثاني ، نص الفصل 184 ق.ج على أنه : « يعاقب بالسجن من خمس إلى ثلاثين سنة كل مغربي أو أجنبي ارتكب ، ” وقت السلم ” أحد الأفعال الآتية :
1- أساء عمدا صنع عتاد حربي ، ” إذا لم يكن من شأن ذلك أن يسبب أي حادث ” .
2 -…..
وعليه ، ففي غير هاته الحالات المنصوص عليها في الفصلين أعلاه ، لا يتمتع الجاني بعذر مخفف من العقاب ، فتكون العقوبة المقررة في حقه هي الإعدام .
يمكنكم